“رحلة الي القاهرة التي لا نعرفها” بقلم أحمد مجدى
كَتَب: أحمد مجدي مراجعة لغوية: كريم عبد المجيد
رحلة إلى القاهرة التي لا نعرفها. رحلة في أرجاء هذه المدينة التي تضرب بجذورها في عمق التاريخ، ولكن الرحلة هذه المرة تختلف عن كل مرة، فرحلتنا هذه مشيًا على الأقدام، وليس عبر الحافلات.
تسير في القاهرة القديمة عبر الطرق التي لا تتسع إلا لغير البشر ، فتظهر على جانبي الطرق الأماكن الأثرية بين المساكن الحديثة، كلاهما ملاصق للآخر ومجاور له، حيث تحظى المساكن الأثرية بتجمعات من القمامة أمامها ، أما المساكن الحديثة فلا تجد أمامها هذه الأكوام؛ فالطابق الأرضي هو محلات تجارية.
تبدأ الرحلة الثقافية مع طلاب و أساتذة قسم الجغرافيا عاطف معتمد و محمود عبد الفتاح من حي السيدة زينب الواقع بالمنطقة الغربية لمحافظة القاهرة، المعروفة قديمًا بالآثار و حديثا بالعشوائيات.
من محطة “مترو السيدة زينب” ، وصولًا لشارع “التلول”، مرورا بشارع “السد”، يجب عليك السير أسفل الرصيف وليس فوقه؛ لأن الرصيف ملك لأصحاب المحلات التجارية، و في نفس الوقت تجنب النظر للخلف؛ لأنك ستسمع أصوات آلات التنبيه الصادرة من السيارات التي تسير أنت بجوارها في هذه الحالة- بدون سبب ، و لا تعجب من سائقي السيارات الملاكي وهم يسألونك: أنت رايح فين؟
في شارع “التلول” منازل حديثة ذات ارتفاع مخالف، بجوارها منازل قديمة آيلة للسقوط، كلاهما صورة مشوهة تتكرر كثيرًا على طول الطريق، وذلك وصولًا لتلال “زينهم” تجد ظهور البيوت الصغيرة هي الصخور ذاتها.
الصعود إلي “مساكن زينهم” ، تجد أجمل صورة معمارية، لمجموعة من المنازل تم بنائها حديثًا؛ لنقل ضحايا العشوائيات ، ذات ارتفاع موحد، وتحتوي على زخارف إسلامية.
النزول إلى “قلعة الكبش” ، تجد نفسك مصطدمًا بعشوائيات قديمة، تعود لأهالي يقطنونها بالتوارث منذ أجيال، كما تصطدم بشكاوى هؤلاء الأهالي من وعود المسؤولين لحل مشاكل الكهرباء والمياه و الصرف الصحي، والتي طال الأمد ببعضها ليصل إلى ثلاثون عامًا دون حل !
الوصول لشارع “شيخون” المعروف قديما باسم “الصليبة” عبر شارع “طولون” في حاجة إلى وقت كبير نسبيًا لتجاوز كل أنواع المواصلات من “توك توك”، و”كارو” وغيره، في شارع ضيق لا يتسع لغير البشر، حيث يظهر فى نهايته جامع “أحمد بن طولون”، الذي مازال يحتفظ بجمال تصميمه الأصلي.
صعدنا عبر مئذنة الجامع الملوية المنفصلة، التي تشبه مئذنة الجامع الذي أسسه الخليفة المتوكل في سامراء بالعراق. من أعلى المئذنة تشاهد صورة “بانورامية” للقاهرة، حيث ترى المباني السكنية ملتصقة بعضها، وذات ارتفاعات متساوية و مختلفة بصورة عشوائية، حيث يشكل الرابط الوحيد بينهم جميعًا هو اللون الأحمر لأحجار البناء المستخدمة في بنائهم.
المرور من جامع “أحمد بن طولون” ، وصولًا إلى جامع “السلطان حسن” بميدان “صلاح الدين” . في الطريق بين الجامعين، تجد آثار تعاني أشد المعاناة من عدم الاهتمام بها، مثل “سبيل أم عباس”، مدرسة و مسجد الأمير “بن تغري بردى”، سبيل و مدرسة “قايتباي المحمدي”، فنجد أمامهم أكوام من القمامة، دون أي تدخل من أي مسئول لإنقاذ هذه الآثار التي إن ذهبت فلن تعود أبدًا، وذلك على الرُغم من أن قيمة هذا الشارع الأثرية لا تقل أهمية عن شارع المعز.
فى ساحة “مسجد السلطان حسن”، تستمتع بمعمار المسجد من الخارج والداخل، وتدلف إليه لتصلي فيه مستشعرًا كم الصلوات التي قُضيت وشهد عليها هذا المسجد العتيق، منذ إنشائه إلى الآن.
من ميدان “صلاح الدين”، إلى حي الخليفة، مرورًا مرة أخرى بشارع “شيخون” الرئيسي ، ومنه إلى شارع “الخليفة” الجانبي، لا يفارقك الزحام ولا الضوضاء.
بدخولك شارع الخليفة، تستقبل أمامك أولًا جامع “السيدة سكينة”، يليه بعد مسافة قصيرة جامع “السيدة نفيسة” والذي يمتلئ بالروحانيات والهدوء. بين الجامعين تجد مقام “السيدة عاتكة” -رضي الله عنها- عمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والعاتكة في اللغة هي المرأة التي تهتم بزينة وجهها، إلا أن المقام لا تجد من حوله أي زينة، بل تجده محاط بالقمامة والقاذورات !
ينتهي شارع الخليفة بميدان “السيدة نفيسة”، ثم الجلوس على “مقهى” لأخذ كوب من الشاي؛ ثم استئناف المسير وصولًا إلى المحطة التالية بالقاهرة القديمة، وهي منطقة فم الخليج.
استقللنا “تاكسي” من ميدان السيدة نفسية، ووصلنا في وقت قصير إلى نهاية السور الأثري المعروف باسم “مجرى العيون”، والذي أنشئه صلاح الدين الأيوبى ، وكان يستخدم كمجرى من أعلاه لنقل المياه إلى القلعة. وعلى طول امتداد السور من آخره من حيث استقللنا التاكسي إلى أوله حيث كورنيش النيل، يطلق على هذه المنطقة اسم “فُم الخليج”، وما تلاحظه أثناء رؤيتك لهذا التحفة الأثرية الكبيرة، أن القمامة تتواجد على امتداد السور بكثافة، وهي نتاج ما يرميه الأهالي القاطنين بعشوائيات خلف السور؛ فتشعر بالغضب بسبب التدمير البطيء الذي يحدث لهذا المعلم الذي يزيد عمره عن الثمانمائة عام.
في الجهة المقابلة للسور وقبل انتهائه بمسافة ليست بطويلة، تجد مستشفى علاج سرطان الأطفال المشهور المسماة “57357”، والتي تعتبر أكبر مستشفى لعلاج سرطان الأطفال في الشرق الأوسط، وهي تحفة فنية هندسية رائعة ، أُنشئت بالكامل من أموال التبرعات التي جُمعت من كل أنحاء الوطن العربي.
بوصولك إلى نهاية السور، يظهر أمامك “نهر النيل”. توقفنا بالتاكسي عن هذه النقطة و التي تسمي”فُم الخليج”، و هذا يعنى الخروج من بنت المعز التي لا نعرفها، إلى القاهرة التي نشاهدها في الفضائيات.
أكملنا الرحلة كأولها سيرًا على الأقدام عبر شارع “كورنيش النيل” لكن هذه المرة أعلى رصيف مزين بالأشجار ومقاعد للاستراحة ، وسرنا بمحاذاة الكورنيش إلى أن وصلنا لكوبري “الملك الصالح”. الذي بدوره حلقة وصل إلى “جزيرة الروضة”، اجتزنا الكوبري ثم أكملنا المسير فى الجزء الشمالي من الجزيرة الذي يطلق علية اسم “المنيل روضة” عبر شارع ” الملك الصالح” و بمحاذاة الكورنيش ذهبا إلى أقصي الجزيرة لمشاهدة “مقياس النيل” و “قصر المانسترلى” لكن الوقت قد تأخر والأبواب مغلقة ، تم الاقتراح و الاتفاق على إضافة محطة بديلة.
قررنا وبما أن القصر مغلق، استبدال هذه المحطة من محطات هذه الرحلة الشيقة، بمحطة أخرى وكان الاقتراح أخذ “جولة نيلية” في نهر النيل، ولاقى الاقتراح قبولًا، وتوجهنا من عند القصر باتجاه “كوبري الجيزة” المعروف باسم “كوبري عباس” حلقة الوصل من القاهرة إلى الجيزة ، وصلنا عنده واستقللنا مركب أخذنا جولة نيلية ممتعة ، مع الاستمتاع بغروب الشمس وصلت لحوالي 30 دقيقة. بعيدا عن ازدحام القاهرة التي لا نعرفها ما زال نهر النيل وسيلة النقل التي لم تستغل بعد.
المصدر: خطوات
تدوينات مرتبطة:
رحلة أحمد بن فضلان .. من محاضرات عبد العال الشامى
رحلات بوركهارت في بلاد النوبة والسودان بقلم محمد محمود الصياد
المزيد:
مقال مميز وجميل يا أحمد
بارك الله فيك مقال رائع هذا هو الادب الجغرافي الاصيل الذي نشتم منه رائحة حمدان في عبقريته
أكيد الرد هذه المرة سيحتاز القسوة أولا ابلغتنا ان الرحلة ستكون بدون حافلات لكن بتتبع الأحداث نجد ان الرحلة استقلت ليموزين وبعدين لا مطلقاً أبدا الكلام الكثير عن التراث وبصورة مستمرة التراث الجميل مع القمامة لابد أن نفرق بين النقد والحديث لا تفعل مثل مفيد فوزي القاتل الأهمال يا سيدي الفاضل في الأنسان فما بالك في التراث القديم كل الناس في مصر عارفين الكلام ده لكن نوثقه على نافذة العالم الأنترنت غير مقبول بالمرة انتقي الحسني وابتعد من فضلك عن السيئة نحن نعلم كل شئ أرجو الا تنسى أن سوزان مبارك هي اللي دعمت ترميم سور مجرى العيون ولم تتكلم عن الجيارة بالمرة وبعدين ياأستاذ مين قال ان مساكن زينهم تحفة بالعكس هي متهالكة ومبنية بنظام البلك ولم تذكر حديقة الفسطاط القاهرة القديمة أما شارع الصليبة فهو مشكلته التخططية أن يحمل التراث العمراني على الجانبين فلا نستطيع توسعته هذا بالأضافة إلى كثرة الإنحناءات اللوليبية هذا بالأضافة أنه منحدر في الأتجاه من القلعة إلى السيدة زينب وهي كده الأحياء الشعبية القديمة .. أما عن قلعة الشعب فموضوع كبير جداً وكذلك لم تذكر جامع الرفاعي والمنطقة مميزة منذ قدم العصور وخاصة في الشكل اليانورامي من فوق جدار القلعة سور القلعة للأن يعلو المسجدين مسجد محمد علي وهذه المنطقة لقت معظم المؤرخين سواء في التراث العمراني او العمارة وعلى فكر ة كذلك لم تذكر دار المحفوظات وكذك منظقة الدرب الأحمر وسوق السلاح والنبوية والمغربلين والازهر كثير ياأخي هذه بؤرة القاهرة الأسلامية والحمد لله أنها لم تصب بالكثير في أحداث الثورة السالفة … ولك وافر أحترامي لك والدكتور / عاطف معتمد دفعتي .. 92 الذي يحب هذا النمطية من التفكير!!!
مصطفى إسماعيل محمد .. المللكة العربية السعودية .. مكة المكرمة …
شكرا على التقرير الرائع … بارك الله فيك
قرات المقال ولاحظت التطور والتاثر التطور فى الكتابة والتاثر باسلوب كتاب انت وانا نعرف جيدا وهذا ليس عيبا اكثر من انه لوم لانى اشعر بانك لك شخصيتك المميزة التى تستحق ان يكن لها طعما خاص الى جناب بعيض الأخطاء اللغوية والنحوية و هذا عيب بى انا ايضا ولكنك اخذت القارئ فى تصور جميل كاأنه يتجول معك الى جانب النظرة الرصدية حيث انك تنقد وتسرد فى ان واحد وهذا اشبه باسلو جمال حمدان الذى اعشقة الى الأمام يا احمد
ممتاز ا/أحمد بالتوفيق دااااايما ان شاء الله
جزاك الله خيرا وبارك الله فى حضرتك
مقال رائع ووصف دقيق لأماكن نشتاق لزيارتها ، ساعدني وصفك الدقيق على تخيل هذه الأماكن كأني أراها أمامي . أتمنى لك مزيدًا من التقدم والتوفيق
مقال رائع ومعبر جدا عن يوم الرحله المميز والاماكن التاريخيه الجميلة والمميزه التي قمنا بزيارتها