الأمية وأثرها في التوجهات العامة للتصويت في مصر للدكتور أحمد المغازى
كَتَب: أحمد المغازى
اختلفت التحليلات حول تأثير الأمية في الوعي السياسي ومن ثمّ في نتيجة الاستفتاء على الدستور الجديد في مصر. ومع ذلك، فمن الإجحاف الربط المتلازم بينهما، فقد يتحقق هذا الوعي وهذا الإدراك للإنسان الأمي كما يتحقق للإنسان المتعلم، وقد يغيب عن الاثنين، وإن كانت فرص تحققه بين المتعلمين أكبر.
وتوضح الدراسة أنّ هناك تأثيرًا للأمية في قرار التصويت بـ “نعم” في هذا الاستفتاء، وذلك في عدد من المحافظات المصرية، ولكن يتعين التعامل مع هذا الاستنتاج بشيء من الحذر؛ لاعتبارات عديدة منها: انخفاض نسبة المشاركة في الاستفتاء، وعدم انسحاب تأثير الأمية في قرار التصويت بـ “نعم” على باقي محافظات الجمهورية.
لذلك توصي الدراسة بضرورة بذل المزيد من الجهد من قبل السياسيين ومؤسسات الدولة لتحفيز المجتمع للمشاركة بفاعلية في العملية السياسية، والعمل على رفع مستوى الوعي السياسي لدى فئات المجتمع وشرائحه كافة.
تطورت الجغرافيا السياسية من دراسة الدولة إلى دراسات عديدة متعمّقة ترتبط بالتحولات الاقتصادية والسياسية، ومنها جغرافية الانتخابات Electoral Geography التي تعد من الاتجاهات المعاصرة في الجغرافيا السياسية؛ وهي تدرس النشاط الانتخابي داخل الدولة عن طريق تحليل الدوائر، والتعرّف على التباين المكاني في التصويت، والتأثيرات الجغرافية التي نتج منها هذا التباين، ودراسة الحملات الانتخابية للمرشحين والبعد الجغرافي لها، والسلوك التصويتي للأفراد والجماعات من خلال التعرف على العوامل الاقتصادية والاجتماعية والتاريخية والثقافية وغيرها من الأمور التي تشكِّل الرأي العام للناخبين. وهذا ما تحاول الدراسة بحثه في نتيجة الاستفتاء على الدستور المصري الجديد في كانون الأول/ ديسمبر 2012، وتحديدًا بحث مدى تأثير الأمية في نتيجة هذا الاستفتاء.
تعدُّ الأمية مفردة من مفردات الواقع المصري وظاهرة اجتماعية تحكمها محددات كثيرة، يأتي الفقر في مقدمتها. وتعرّف بأنّها عدم القدرة على القراءة والكتابة، ويعرّف الأمي بأنّه الفرد الذي لا يستطيع القراءة والكتابة، ويتراوح عمره بين 14-35 سنة وغير مقيد بأية مدرسة، ولم يصل في تعليمه إلى مستوى نهاية الحلقة الابتدائية من التعليم الأساسي. ويعتبر التعريف الإحصائي الشخص أميًا عندما يكون غير قادرٍ على القراءة والكتابة وأن يكون عمره 10 سنوات فأكثر. أما في التعريف الاجتماعي “فإنّه الشخص الذي لا يعرف حقوقه وواجباته السياسية”[1]، وتعرّف الأمم المتحدة الأمي بأنّه “الذي لا يستطيع أن يقرأ أو يكتب الأرقام فقط أو اسمه أو مجموعة من العبارات التي يختزنها في ذاكرته”[2]. وتستخدم الأمم المتحدة معدل الأمية كمعيار للفصل بين الدول المتقدمة والدول النامية، وقدّر هذا المعدل بنحو 20% من جملة السكان فوق 15 سنة[3]، ما يعني أنّ مصر ما زالت دولة نامية طبقًا لهذا المقياس، حيث بلغ معدل الأمية فيها 29.6٪ عام 2006.
ولقد اختلفت التحليلات حول تأثير الأمية في نتيجة الاستفتاء؛ إذ يرى البعض أنّ أمية القراءة والكتابة يتولد عنها الأمية السياسية وقلة الوعي السياسي المقرون بالتجييش الديني الذي يسهل معه التلاعب بهذه الفئة واستخدامها في أي عملية انتخابية. في حين يرى فريق آخر أنّه لا توجد علاقة علمية محددة بين أمية القراءة والكتابة والأمية السياسية وقلة الوعي السياسي.
ومن المؤكد أنّ هناك علاقة قوية بين الجهل بمعناه الشامل وبين الوعي السياسي أو الوعي الاقتصادي. أما أمية القراءة والكتابة فقد يكون من الإجحاف الربط المتلازم بينها وبين الوعي السياسي أو حتى الاقتصادي؛ فالوعي السياسي هو الفهم العام للمناخ السياسي بالمجتمع من أفكار وممارسات واختلافات سياسية يستطيع الفرد من خلالها إدراك محيطه السياسي واتخاذ الموقف المناسب، ومن ثمّ التفاعل والتأثير البنّاء في مجمل العملية السياسية. وقد يتحقق هذا الوعي والإدراك للإنسان الأمي كما يتحقق للإنسان المتعلم وقد يغيب عن الاثنين، وإن كانت فرص تحققه بين المتعلمين أكبر.
وفي سياق الاستفتاء على الدستور المصري الجديد وضمن إطار مشهد سياسي مرتبك، تداخلت المواقف وتشابكت بشكل معقد بين التيارات السياسية الموجودة على الساحة المصرية وانتقلت هذه الحالة إلى الناخب بغض النظر عن حالته التعليمية، فلم يكن الاستفتاء على الدستور إلا واجهة لصراع سياسي مرير بين التيارات المدنية وتيارات الإسلام السياسي. واستخدم الطرفان كل الوسائل الممكنة لإقناع الناخب بما يرى كل منهما أنّه الصواب، كما مارسا ضغوطًا شديدة على الناخب في محاولة لاستقطابه. واختلطت الأمور وتشابكت، فلم يعد الاستفتاء على الدستور فحسب، بل أصبح على مشروعين متصارعين؛ يرتدي الأول عباءة الدولة المدنية والثاني عباءة الإسلام السياسي.
غير أنّ هذا الصراع المحموم لم يستطع تحريك الشارع السياسي بكامل طاقته، فعلى الرغم من أنّ عدد الناخبين المسجلين قد بلغ 51918866 نسمة، فلم يشارك منهم في الاستفتاء سوى 17058407 ناخب بنسبة 32.9% من جملة عدد الناخبين المسجلين، وحققت محافظتا السويس وبني سويف أعلى نسبة مشاركة (38.7%)، في حين سجلت محافظة أسوان أقل نسبة مشاركة (22.7%). وكانت نتيجة التصويت لصالح الموافقة على إقرار الدستور بنسبة 63.8% مقابل 36.2% لغير الموافقين[4].
للطلاع على الدراسة كاملة فقط اضغط على اقرا المزيد
[1] عبد الرؤوف أحمد الضبع، “الأمية والسلوك الإنجابي”، المجلة المصرية للتنمية والتخطيط، المجلد 2، العدد 2 (القاهرة: 2000)، ص 74.
[2] Shryock, H.S., and Sigel, J.S., The Methods and Materials ofDemography (New York: Condensed edition by Stockwell, E. G. Academic Press, 1976), p. 32.
[3] J. Clarcke, “Geography, Demography, and Population,” in J. Clarcke (ed.), Geography Population, Approaches and Applications (London: Oxford, 1985), p. 212.
[4] موقع لجنة الانتخابات الرئاسية، استفتاء الدستور 2012، النتائج النهائية.
المصدر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
المزيد:
دور الأمية فى التاثير فى التوجهات العامة للتصويت فى مصر للدكتور أحمد المغازى
جغرافية الانتخابات تطورها و منهجيتها للدكتور جاسم كرم
مفهوم الجغرافيا السياسية ومجالها للدكتور محمود توفيق
الابعاد الجيوديموجرافية لانتخابات مجلس الشعب المصرى للدكتور سامح عبد الوهاب
خريطة مصر الانتخابية مع التطبيق على محافظة الجيزة للدكتور سامح عبد الوهاب
الجغرافيا الاقتصادية للدكتور انورالعقاد و محمد الحمادى
الجغرافيا الاقتصادية و السياسية و السكانية و الجيوبولتيكا للدكتورعاطف علبى
الجغرافيا السياسية و الجغرافيا الاستراتيجية للاميرال بيير سيليرييه
تدوينات مرتبطة:
مصر.. ملامح دولة صنعت التاريخ بقلم الدكتور عاطف معتمد
مصر بين دكتاتورية النهر وديمقراطية الصحراء بقلم الدكتور صبرى حمد
كتاب «ميدان التحرير ونهر الثورة» للدكتور فتحى مصيلحى
كتاب «نحو خريطة جديدة لمصر» للدكتور محمد رياض
كيف تكذب مع الخرائط ؟ خريطة مصر من جوجل بحث
هل يمكن أن تتنبأ الخرائط السياسية بالصراعات القادمة في العالم ؟
تدوينات اخرى:
الخريطة الجغرافية والسياسية للمصريين في الخارج بقلم محمود عبده