أطلس «المأثورات الشعبية» من وزارة الثقافة
كتب: شريف الشافعي
ضمن مشروع “اطلس المأثورات الشعبية المصرية” (اطلس الفلكلور المصري) التابع للهيئة العامة لقصور الثقافة بوزارة الثقافة والذي بدأت انطلاقته الجادة مع مطلع التسعينيات من القرن العشرين..، اجريت دراسة حديثة تناولت بعض السلوكيات والعادات والمراسم الاحتفالية والاجتماعية والترويحية وايضا الغذائية المتجذرة لدى المصريين منذ مئات الاعوام، والتي تقترن بمناسبات وأعياد مختلفة، على رأسها مقدم شهر رمضان المبارك في كل عام. وقد ركزت الدراسة – التي شارك فيها 118باحثا وباحثة – على “موائد الرحمن” باعتبارها صورة من صور التكافل في المجتمع المصري، كما ألقت الضوء على بعض العادات والسلوكيات الاحتفالية المرتبطة بشهر رمضان، ومنها: انطلاق المدفع وتوهج الفانوس ونشاط المسحراتي وانتشار وترديد بعض اغنيات الاطفال الشهيرة وتناول اطعمة وحلوى خاصة مثل الكنافة والقطايف والمكسرات والياميش، وما الى ذلك.
وفي حديثها ل(الرياض) توضح دعاء صالح مسؤولة العلاقات العامة والاعلام والنشر والباحثة بمشروع اطلس الفلكلور ان هذه الدراسة قد شملت 211منطقة في 26محافظة تمثل جمهورية مصر العربية بأسرها، وقد قام الباحث الكبير عبدالحميد حواس بوضع دليل اسئلة العمل الميداني للدارسة. وتقول دعاء صالح: “لعادات رمضان الاحتفالية خصوصية وأهمية لدى المصريين منذ الف عام بدءا بالاحتفال برؤية الهلال ومروراً بمدفع الافطار ووصولا الى الفانوس والمسحراتي والحلوى وغيرها، ولذلك فقد حرص اطلس الفلكلور على توثيق تلك العادات ورصدها ضمن موضوعات الفلكلور الاخرى”.
ومما تناولته الدراسة، وفقا للباحثة دعاء صالح، ظاهرة “موائد الرحمن” التي ترجع بدايتها في مصر اما الى الامير احمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية او الى الخليفة المعز لدين الله الفاطمي. وتعد موائد الرحمن صورة من صور التكافل الاجتماعي في المجتمع المصري، وشكلا من اشكال الافطار الجماعي، وفيها يقدم طعام الافطار في شهر رمضان للعابرين وللفقراء، ويقيمها الاغنياء وبعض الهيئات الحكومية بمعظم المحافظات والمدن المصرية.
وألقت الدراسة الضوء على فانوس ومدفع رمضان، مشيرة الى ظهور الفانوس في عهد المعز لدين الله الفاطمي حين حمله المصريون في اثناء استقبالهم له في اول ايام رمضان مما بعث البهجة في نفسه لحفاوة الاستقبال، ثم استمر الناس – خاصة الاطفال – في حملهم للفوانيس او المشاعل طوال ايام رمضان، وبهذا ظهر الفانوس، ومعه استمر الاطفال في غناء الكلمات التي كانوا يحيون بها المعز وهي “حيوي.. يا حيوي” والتي تحولت فيما بعد الى “وحوي يا وحوي”. اما اول مدفع ضرب في رمضان فقد كان في عهد السلطان “خوشقدم” (في عام 869الهجري)، حين اهدي اليه مدفع، وأمر رجال حاشيته باطلاقه، وقد تصادف ذلك مع مغرب اول ايام رمضان، فهرع الشعب للاحتفال، واتجه المشايخ الى قاضي القاهرة يحملونه الشكر للسلطان، فلما عرف السلطان غرق في الضحك، وأمر رجاله بإطلاق المدفع يوميا للتنبيه في وقت الافطار!
ويرتبط بشهر رمضان ايضا “المسحراتي” الذي لا يزال يمارس دوره على الرغم من انتشار وسائل الاعلام. وتبقى مهنته حاليا، وفقا للدراسة، مهنة شرفية ومعلما رئيسيا من معالم وارتباطات شهر رمضان عند المصريين، حيث يطوف ممسكا بطبلة يقرع عليها او على كأس نحاسي لايقاظ النائمين لتناول طعام السحور! وهذا الشخص في الغالب شخص متطوع يقوم بأداء عمله، ثم يتقاضى من الافراد نظير خدماته في أول أيام العيد، حيث يحصل منهم على بعض النقود او حلوى العيد او بعض المحاصيل الزراعية (خاصة في القرى).
ورصدت الدراسة كذلك بعض الالعاب الترويحية التي يلعبها الاطفال وهم يغنون بعد الافطار في رمضان، ومنها السيجة (التي يلعبها الصغار والكبار ايضا)، واطلاق الالعاب النارية، وجوب الشوارع بالفوانيس مع ترديد اغنية “وحوي يا وحوي” وغيرها. كما القت الدراسة الضوء على اشهر المأكولات والمشروبات التي يحرص المصريون على تناولها خلال شهر رمضان، ومنها: القطايف والكنافة المحشوة بالمكسرات والزلابية (لقمة القاضي) وغيرها من الحلوى التي كان الفاطميون يفضلونها وخاصة في ولائمهم، كما اهتم المصريون بالياميش وجميع انواع المكسرات، فضلا عن المشروبات المتميزة مثل قمر الدين والسوبيا والعرقسوس. وقد أجمعت معظم المحافظات المصرية فيما عدا محافظة البحر الاحمر – وفقا للدراسة الميدانية – على عدم تفضيل اكل الاسماك المملحة والسردين والفسيخ في ايام رمضان!
وتجدر الاشارة الى ان التفكير في اعداد “اطلس الفلكلور المصري” قد بدأ في بداية السبعينات من القرن الماضي تحت اشراف المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، وفي أواخر الثمانينيات احتضنت الهيئة العامة لقصور الثقافة المشروع باعتباره مشروعا وطنيا تجتمع حوله الأفئدة والعقول والسواعد. اما انطلاقة المشروع الحقيقية فقد بدأت في مطلع التسعينيات. ومن خلال المشروع تم جمع مواد بيانية حول الخبز، وعادات الطعام، والامثال الشعبية، والطب الشعبي في مجال الاطفال، والاولياء، والفخار، وغيرها من الموضوعات والمجالات.
المصدر: جريدة الرياض
تدوينات مرتبطة:
خرائط من موقع مركز توثيق التراث الحضارى و الطبيعي
تغطية: أطلس «الإسكندرية» للمهندس مصطفى الفضالى
تغطية: أطلس «مخاطر التغيرات المناخية علي السواحل المصرية» للدكتور خالد عبد القادر عودة
المزيد:
تقارير بحث: أطلس درسات التراث الشعبى
أطلس الفلكلور المصرى بقلم د. ياسر العدل
أطلس لـ”الفلكلور” السيناوي بقلم هبة اسماعيل